{قَالَ} أي إبليسُ لكن لا عَقيبَ كلامِه المحكي بل بعد الإنظارِ المترتب على استنظاره المتفرِّع على الأمر بخروجه من بين الملأ الأعلى باللعن المؤبّدِ، وإنما لم يصرّح بذلك اكتفاءً بما ذكر في مواضعَ أُخَرَ، فإن توسيطَ (قال) بين كلامَيْ اللعين للإيذان بعدمِ اتصالِ الثاني بالأول وعدمِ ابتنائِه عليه بل على غيره كما في قوله تعالى: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضآلون} {أَرَءيْتَكَ هذا الذى كَرَّمْتَ عَلَىَّ} الكافُ لتأكيد الخطابِ لا محل لها من الإعراب وهذا مفعولٌ أولٌ والموصولُ صفتُه، والثاني محذوفٌ لدِلالة الصلةِ عليه أي أخبِرني عن هذا الذي كرّمته عليّ بأن أمرْتَني بالسجود له لِمَ كَرَّمْتَه عليّ؟ وقيل: هذا مبتدأٌ حُذف عنه حرفُ الاستفهام والموصولُ مع صلته خبرُه ومقصودُه الاستصغارُ والاستحقارُ، أي أخبرْني أهذا مَنْ كرَّمته عليّ؟ وقيل: معنى أرأيتَك أتأمّلت كأن المتكلّم ينبّه المخاطَب على استحضار ما يخاطبه به عَقيبه {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} حياً {إلى يَوْمِ القيامة} كلامٌ مبتدأٌ واللامُ موطِّئةٌ للقسم وجوابُه قوله: {لاحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ} أي لأستأصِلَنّهم، من قولهم: احتنَك الجرادُ الأرضَ إذا جرَد ما عليها أكلاً، أو لأقودنّهم حيث ما شئتُ ولأستولِينّ عليهم استيلاءً قوياً، من قولهم: حنكْتَ الدابةَ واحتنكتَها إذا جعلتَ في حنَكها الأسفلِ حبلاً تقودُها به، وهذا كقوله: {لازَيّنَنَّ لَهُمْ فِى الأرض وَلاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} وإنما عَلِم تسنِّي ذلك المطلبِ له تلقّياً من جهة الملائكةِ عليهم الصلاة والسلام أو استنباطاً من قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء} أو توسّماً من خَلْقه {إِلاَّ قَلِيلاً} منهم وهم المخْلَصون الذين عصمهم الله تعالى.{قَالَ اذهب} أي امضِ لشأنك الذي اخترتَه وهو طردٌ له وتخليةٌ بينه وبين ما سوّلت له نفسه {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} أي جزاؤُك وجزاؤهم فغُلّب المخاطَبُ على الغائب رعايةً لحق المتبوعية {جَزَاء مَّوفُورًا} أي جزاءً مكملاً من قولهم: فِرْ لصاحبك عِرضَه فِرَةً، أي وفّر، وهو نصب على أنه مصدرٌ مؤكّدٌ لما في قوله: {جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} من معنى تجازون أو الفعلِ المقدّر أو حالٌ موطئةٌ لقوله موفوراً.